بسم الله الرحمن الرحيم
بعدسنوات تأكد الأمريكان أنهم لم يهزموا طالبان
ممدوح عثمان
مفكرة الإسلام: على عادة الإعلام الأمريكي والغربي، الذي أثبت أنه غير موضوعي، صدع هذا الإعلام رؤسنا بأن التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة في أفغانستان قد أجهز على حركة طالبان وهزمها هزيمة لن تقوم لها قائمة بعدها، وأن أفغانستان تشهد الآن حركة إعمار واسعة لإصلاح ما دمرته الحرب، كما تشهد نظاماً ديمقراطياً يحترم الإنسان الأفغاني ويعمل لما فيه مصلحته. إلا أن الواقع على الطبيعة يكذب كل ذلك جملة وتفصيلاً، فقد مرت خمس سنوات على نهاية حكم حركة طالبان في أفغانستان بعد حرب قادتها الولايات المتحدة استخدمت فيها كميات هائلة من الأسلحة والقنابل الفتاكة التي لم يُكشف عن الكثير من نوعياتها حتى الآن، وبعد دخولها إلى كابُل أقامت نظاما يقوم على دعمها المطلق، وجاءت بعشرات الآلاف من القوات التي أحكمت بها السيطرة على كابُل وبعض المدن الكبرى الأخرى، لكن أفغانستان بعد خمس سنوات من الاحتلال تحولت بشهادة كثير من القادة العسكريين الغربيين والمراقبين إلى مستنقع للقوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي، كما فشلت الولايات المتحدة في القضاء على زعيم حركة تنظيم القاعدة أسامة بن لادن والقبض عليه، وفشلت كذلك في القبض على زعيم حركة طالبان الملا محمد عمر أو قتله[والأكثر من ذلك أن حركة طالبان شهدت خلال الأشهر القليلة الماضية إعادة بناء من جديد، كما يقول المحللون الغربيون، وأرهقت قوات حلف شمال الأطلسي وأدخلتها في حرب استنزاف طويلة مثل تلك الحرب التي خاضها الأفغان من قبل مع السوفييت، والتي أدت في النهاية إلى هزيمة الاتحاد السوفييتي وتفكك قوته ودولته.[size=16]ومن جانب آخر فإن أفغانستان التي شهدت في عهد طالبان حظراً على زراعة الحشيش والأفيون عادت في ظل الاحتلال الأمريكي لتصبح الآن حسب آخر تقرير للأمم المتحدة أكبر دولة تزرع الحشيش والأفيون في العالم حيث أنتجت عام 2006م حوالي 92% من إنتاج العالم من الأفيون وتزود بذلك أفغانستان وفق تقرير الأمم المتحدة 75% من مدمني الهيروين في العالم باحتياجاتهم.
ضمن هذا الإطار لم يكن مستغرباً ما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس مؤخراً من أن الولايات المتحدة تشعر بالدهشة من قوة مقاتلي طالبان بعد مرور خمس سنوات من إقصاء الحركة عن الحكم في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وأنهم عادوا أكثر تنظيما نوعا ما، وأكثر فاعلية مما كنا نتوقع.
لكن رايس سرعان ما تلجأ إلى المراوغة والكذب وهي تقول: ولكن حلف شمالي الأطلسي يلحق خسائر فادحة بمقاتلي الحركة وإنهم لا يشكلون "أي تهديد استراتيجي" لحكومة حامد قرضاي.
وتأتي تصريحات رايس بعد تصريحات مماثلة للأمين العام لحلف شمالي الأطلسي أقر فيها بشدة بأس مقاتلي طالبان ودعا فيها إلى ضرورة أن تقوم الدول الأعضاء في الحلف بالوفاء بوعودها بتوفير الرجال والعتاد الذي وعدت بتقديمه لمساندة عملية الحلف الجارية حالياً جنوبي أفغانستان.
أسلحة متقدمة لكنها غير حاسمةالوضع العسكري على الأرض في أفغانستان خطير، والسبب أن الولايات المتحدة أردت التخلص من المقاومة بوسائل عسكرية في منطقة يجيد فيها الأفغان حرب العصابات. وكلما زادت عدد القوات العسكرية التي يدفع بها الأمريكان وحلف الأطلسي للسيطرة على الوضع وإخماد المقاومة فإن العكس هو الذي يحدث، وتلتهب المقاومة الموجودة أصلا والمتأصلة في نفوس الأفغان ضد الاحتلال الأجنبي.
لقد قال قائد القوات البريطانية في أفغانستان الجنرال إيد باتلر في تصريحات نقلتها الوكالات في 18 أكتوبر الماضي إن جنوده فوجئوا بالشراسة التي أبداها مقاتلو طالبان في المناطق التي بها معارك طاحنة. ونحن نعتقد أنه ما كان يجب للبريطانيين أن يستغربوا، فهم لديهم خبرة وجربوا الأمور وتعلموا بعد دفع خسائر فادحة بأن المقاومة الأفغانية ضد أي محتل أجنبي تزداد وتقوى بمرور الزمن، والشواهد التاريخية تدل على ذلك لأن احتلال أفغانستان وخاصة المدن الكبيرة ممكن، لكن مواجهة المقاومة في الأرياف والجبال أمر شديد الصعوبة وشبه مستحيل.
إلا أننا يجب أن نتوقف أمام تصريح المارشال بيتر إنغ القائد السابق للجيش البريطاني في أفغانستان عندما قال في تصريحات نشرتها الأوبزيرفر البريطانية في 22 أكتوبر الماضي: إن بريطانيا سوف تتعرض للهزيمة في أفغانستان بسبب عدم وجود إستراتيجية واضحة للعمل هناك.
ونعتقد أن القائد العسكري البريطاني محق فيما قال، لأن قوات حلف شمال الأطلسي لا هم لها الآن إلا ملاحقة الأشباح، وأفغانستان بلد شاسع متسع مترامي الأطراف، والطريقة التي تعمل بها قوات الاحتلال رتيبة ومقيدة بالواقع الجغرافي، وتصب في النهاية في صالح المقاومة وتجعلها تتحسن.
وعلى الرغم من وجود الكثير من الأسلحة المتطورة والكثير من المهارات العسكرية المتوفرة لدى قوات الاحتلال، لكنها لن تكون فاعلة في مثل هذا النوع من الحروب، وليسألوا الروس عن ذلك.
لقد استقال الكابتن ليو دي شيرتي أحد القادة البريطانيين في أفغانستان احتجاجا على إستراتيجية بريطانيا الفاشلة في حربها في أفغانستان، وفي 22 سبتمبر الماضي أرسل قائد القوات البريطانية في هيلمند الميجور جيمس لودن رسالة إلى قادته في لندن يعترف فيها بفشل قواته، وانهيار روحهم المعنوية.
ويقول: إن معركة هيلمند وحدها بحاجة إلى أربعين ألف جندي، بينما عدد قوات التحالف كله في أفغانستان لا يتجاوز تسعة وعشرين ألف جندي، ومعنى ذلك أنهم يخوضون معركة فاشلة. لقد ذاق البريطانيون طعم الهزيمة على يد الأفغان في القرن الماضي ثم يعيدون الكرة مرة أخرى الآن.
إن الأمور الآن تحت قيادة حلف شمال الأطلسي، والقوات البريطانية لا خيار لها سوى خوض حرب خاسرة، وإذا نظرنا إلى القوات الألمانية التي هي أيضا جزء من قوات حلف شمال الأطلسي، لكن لحسن حظهم أنهم نُشروا في الشمال، فإنهم عندما يطلب منهم النزول إلى الجنوب يرفضون ذلك، وهذا يفسر المعضلة التي تواجهها قوات حلف شمال الأطلسي.
حرب عصابات مضمونة لطالبان
إن الخبراء العسكريين يقولون: إذا كنت تقاتل ضد رجال عصابات فأنت تحتاج إلى عدد قوات بنسبة 9 – 1، لأنك تحتاج إلى هذه الأعداد الكبيرة للسيطرة على المنطقة وإدارتها حتى لو كان هناك عدد قليل من رجال العصابات والمقاومة، لأنهم قد يتحركون من مكان إلى آخر، ولن تستطيع تمييزهم فهم يذوبون في خلفية المشهد، يتنكرون كفلاحين وما إلى ذلك، وتوفر العمليات الاستخبارية معلومات هامة، لكنك لا تستطيع في النهاية أن تعثر على من تبحث عنه، فسيصبح الأمر كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، خاصة وأن هؤلاء الأفغان في أرضهم ويعرفون تفاصيلها وتضاريسها ويحفظونها ولن يخسروا بسهولة.
الأمريكان ومن يساندهم من القوات الغربية يتبعون استراتيجيات تتسم بالغباء منذ البداية، فباكستان قالت لهم منذ الحادي عشر من سبتمبر لا تخوضوا الخيار العسكري فورا، أولا جربوا واستنفذوا الخيارات الأخرى، لكن الأمريكان دخلوا بسرعة واندفاع وتهور. إنهم الآن يركزون على العنصر الأساسي في أفغانستان وهو تتبع مقاتلي طالبان وأفراد المقاومة، ولا يفكرون في الأهم وهو إعادة الإعمار، فلم يحدث أي إعمار خلال الخمسة أعوام الماضية، القليل من المال كان ينفق وكان هذا في المدن الكبيرة مثل كابُل، ومعظمه أخذته الدول المانحة ومن ينوب عنها، أما الآن فإن أسعار العقارات في كابُل أغلى من واشنطن.
إن "طالبان" لم تكن فئة واحدة متجانسة، حتى عندما كانوا يحكمون أفغانستان، كان هناك المكون الأساسي للحركة الذي أتى من المدارس، ثم المجاهدون القدماء، ثم الشيوعيون السابقون وكلهم من الباشتون، هؤلاء كلهم جاءوا تحت مظلة كبيرة هي مظلة طالبان لإعادة توحيد أفغانستان. أما الآن فإن المقاومين بعضهم من طالبان القديمة، لكن هناك باشتون آخرون تعرضت مناطقهم للقصف وقُتل أبناؤهم، وهناك بالطبع الأفغان الذين كانوا تاريخيا يقاومون كل احتلال، أيضا هناك أمراء الحرب والذين خسروا مواقعهم السياسية.
لماذا هذا الإصرار على البقاء في أفغانستان؟
كثير من الناس يتساءلون الآن إذا كان الوضع للأمريكان ولحلف شمال الأطلسي في أفغانستان سيئا إلى هذه الدرجة، وهناك مستقبل قاتم، فما سر تمسك الولايات المتحدة وحلفائها بالبقاء في أفغانستان؟.
نستطيع أن نجيب على هذا السؤال في ظل تقريرين: الأول للهيئة الأميركية للمسح الجيولوجي والذي صدر في 18 مارس الماضي وقالت فيه الهيئة: إن أفغانستان بها موارد من النفط والغاز الطبيعي تقدر بحوالي مائة بليون متر مكعب من النفط وأكثر من تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي.
وأيضا في ظل تقرير يشير إلى وجود أحد عشر خطا لنقل الغاز والنفط من منطقة بحر قزوين عبر أفغانستان وباكستان، وهذا مشروع قديم شاركت حركة طالبان فيه في عام 1997م، وفي عام 2002م تم توقيعه بين طالبان والحكومة الأميركية، وهذا يعطي دلالة على الأسباب الحقيقية للوجود الأمريكي في أفغانستان.
جبن أمريكي وارتباك أطلسي
تحت إشراف حلف شمال الأطلسي ، عادت القوات البريطانية إلى أفغانستان بنحو 4500 جندي يقاتلون ضد حركة طالبان في محافظة هيلمند الجنوبية، وعلى هذه الخلفية قتل العشرات من الجنود البريطانيين في الأشهر الأخيرة، كما سقط في الأسابيع الأخيرة أيضا عسكريون أميركيون وكنديون وإيطاليون وأسبان. وبعد مرور خمس سنوات على احتلال هذا البلد الفقير، يبدو أن القوات الغربية على وشك التعرض لهزيمة أخرى في أفغانستان.
الواقع الميداني يقول: إن قوة مكونة من 10 آلاف من الجنود البريطانيين والكنديين والأميركيين تقاتل طالبان، الذين يسيطرون الآن،عمليا، على خمسة أقاليم في جنوب البلاد، ومع ذلك، فإن منطقة الحدود بين باكستان وأفغانستان لا تزال تمثل مركزا لـ "طالبان". و"القاعدة" تعيش وتزدهر في تلك المنطقة وتجتذب أنصاراً جدداً بشكل دائم.
ولأن الجبن الأمريكي والخوف من القتل على يد طالبان، في تضاريس يجهلها العسكريون الأمريكان، فإن الوجود العسكري للولايات المتحدة كان شحيحا ويسيطر عليه هاجس القبض على أسامة بن لادن أكثر من أي شيء آخر. ففي السنوات الثلاث الأولى التي أعقبت حرب 2001م، لم يسمح وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، الذي لم يكن مهتما بأفغانستان أبدا، بانتشار قوات السلام الأوروبية في مدن أخرى.
وقلة اهتمام واشنطن هذه سمحت للرئيس الباكستاني برويز مشرف، أن يلعب لعبة مزدوجة، بالتعهد بتقديم دعم في الحرب ضد الإرهاب في الوقت الذي سمح فيه لقوات طالبان بأن تتمدد في المنطقة الحدودية بغية إبقاء الضغط على قرضاي. الآن فقط وبعد مرور خمس سنوات، انتشرت القوات الغربية تحت قيادة حلف الناتو في المناطق التي تسيطر عليها طالبان جنوبي البلاد، وهذا يعني أن مقاتلي حركة طالبان قد حظوا، منذ تراجعهم عام 2001م، بحرية كافية لإعادة تنظيم أنفسهم وملء الفراغ السياسي والعسكري والاستفادة بشكل بطيء من شعور الشعب الأفغاني بالخيبة جراء عدم جدية دعاوى إعادة الإعمار.
طالبان فضحت تصدعات الأطلسي
بشهادة الغرب نفسه طالبان بدأت تكسب المعركة من جديد، والشعب الأفغاني بات يحن إلى أيامها، فرئيس حلف شمال الأطلسي نفسه ديفد ريتشارد يحذر وينادي ويقول إن أكثر من 70% من الشعب الأفغاني سيؤيد طالبان هذا العام إن لم ننقذهم.
قوات التحالف الآن شركاء متشاكسون، خائفون، لذلك فإنهم الآن يلومون بعضهم البعض، الأسبان، الفرنسيون، الألمان يخافون أن يرسلوا جنودهم وأبناءهم إلى المنطقة الساخنة، ولذلك يقول أحد هؤلاء القادة: لِمَ لا ترسلوا جنودكم في المناطق الساخنة مثلنا، وتموتون مثلنا؟.
إن التحالف المكون من ست وعشرين دولة لأغنى دول العالم المدججة بالسلاح، هذا الحلف يتصدع الآن لدرجة أن الصحف الإنجليزية تقول إن طالبان فضحت تصدعات حلف شمال الأطلسي.
أكذوبة إعادة الإعمار
خمس سنوات فقط مرت على وعد الرئيس بوش وقادة العالم بعدم التخلي عن أفغانستان وإعادة إعمار البلاد وجعلها واحة للديمقراطية والحداثة وسط العالم الإسلامي، لكن تلك الوعود ذهبت أدراج الرياح.
فقد عجزت أمريكا والدول المتحالفة معها عن إعادة بناء البنية التحتية المدمرة للبلاد بالسرعة الكافية، فالطرق والكهرباء والمساكن والمياه هي الأساس، بيد أنه لا يوجد، بعد خمس سنوات، سوى قسم واحد من طريق مهم يحيط بالبلاد قد تم إصلاحه.
ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة للإنماء، فإن 23% فقط من الأفغان يحصلون على مياه صالحة للشرب، في حين ما زالت أنظمة الري والقنوات والسدود الرئيسية، المشيدة في الستينات، من دون إصلاح . أما شح أنظمة التزود بالماء والغياب الكامل للاستثمارات في ميدان الزراعة فقد مهدا الطريق أمام ازدهار محصول الخشخاش، الذي يتطلب القليل من الماء، وهكذا باتت أفغانستان مرة أخرى الممون الرئيسي في العالم لمادة الهيروين، المشتقة من بذرة الخشخاش.
ولا يحصل سوى 10% من الأفغان على خدمة التزود بالكهرباء وثلث عدد سكان العاصمة البالغ ثلاثة ملايين بالكاد يحصل على الكهرباء ولبضع ساعات فقط كل ثلاثة أيام. وضع الفاقة هذا آخذ بالتزايد، مع أن الحكومة اشترت مولدات عملاقة تعمل على الديزل لسد احتياجات الطاقة في كابول، وحصلت على معونة مالية قدرها 70 مليون دولار من الوكالة العالمية للتنمية في الولايات المتحدة لشراء الوقود.
لكن وبدون تقديم إيضاحات، تم تقليص هذه المعونة المالية إلى 20 مليون دولار، الأمر الذي سيجعل فصل الشتاء قاسيا أكثر بدون تدفئة وإنارة. ولم يساهم قرضاي ووزراؤه بأي جهد في قيادة البلاد وتوفير رؤية مستقبلية لها، فلقد وجد الكثيرون منهم أنفسهم عالقين في شبكة من المواجهات الداخلية والفساد وتجارة المخدرات. وقرضاي لجأ إلى أساليب تقليدية في حكم أفغانستان، وعقد اتفاقات مع زعماء الحرب وميليشياتهم وتنازل عن الأجندة التي وضعها بالتنسيق مع الأمريكيين عام 2001م، والتي كانت تتحدث عن أحلام وأوهام لا علاقة لها بالمواطن الأفغاني البسيط، وإنما تم صياغتها لدغدغة المشاعر والاستخدام الإعلامي فقط.
اللهم اجعل اخر كلامي في الدنيا لا اله الا الله محمد رسول الله
اللهم ما كان من خير فمن الله و حده .. و ما كان من شر فمني او من الشيطان
اللهم لا تجعلنا ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا
اخوكم الفقير إلى عفو ربي الذي يحبكم فيه
زهير البدري